طفل غريب الأطوار




إسمي إبراهيم، عمري 20 سنة، أدرس سنة أولى جامعي، أحب الاستكشاف وغالبا ما يقودني فضولي إلى القيام بأعمال صبيانية، الآن سأعرفكم على والدي، بالنسبة لأبي، إنسان طيب جدا، محب للخير، شارك في أعمال تطوعية كثيرة، ووالدتي يمكنني أن أقول أنها على شاكلة أبي، متشابهين في كل شيء تقريبا، في الصفات والأفعال.


في أحد الأيام، كنت جالسا مع أمي في إحدى الغرف نشاهد شاشة التلفاز، فجأة دخل علينا أبي ومعه طفل صغير، أصبت أنا وأمي بصدمة، وقفت والدتي بسرعة وعلامات التعجب بادية على محياها وسألت: من هذا الطفل؟ أجاب أبي بابتسامته المعهودة، هذا طفل يتيم، وجدته قرب باب المسجد، وقررت أن نعتني به، من الآن فصاعدا اعتبريه ابنك، سماه والدي سعيد، قبلت أمي بتربية الطفل، أقصد سعيد القادم الجديد إلى عائلتي، نظرت إلى سعيد وأحسست بشيء غريب ينتابني، بعدها سألت والدي: ألا يبدو شكل سعيد هذا غريبا، أجابا : لا، لا، لا شيء يبدو غريبا، صوبت عيناي مجددا صوب سعيد، وإذا به يرمقني بنظرات حادة أرعبتني، في هذه الأثناء، دخلت أختي الصغيرة، عمرها خمس سنوات وسألت كذلك: من هذا؟ أجابتها أمي: هذا أخوك الجديد، يدعى سعيد، فرحت أختي الصغيرة بالخبر لأنني لم أكن ألعب معها ولا نتقابل كثيرا، إذ كنت أقضي معظم وقتي خارج البيت، كان الكل سعيدا لمجيء سعيد.



مرت شهور عدة، وبين الفينة والأخرى كنت أفكر في سعيد، وكلما أطلت التفكير أشعر بشيء غريب ينتابني، لا أستطيع تفسيره، وفي كل حين، أحاول إزالة هذه الأفكار من مخيلتي.



في أحد الأيام، نزلت من غرفتي المتواجدة في الدور الأول، لأجد أبي يداعب أختي الصغيرة، سألته عن أمي وسعيد، فأجابني بأنهم خرجوا للقيام بنزهة قصيرة قرب المنزل، بعد نصف ساعة، عادت أمي ومعها سعيد، جلست قربي في الصالة، أخذت سعيد من أحضانها وبدأت أنظر في عينيه، لم أستطع تمالك فضولي لاستكشاف الأمر الغريب الذي يلف شخصية هذا الوافد الجديد على عائلتي، فجأة بدأت عيناه تتحول تدريجيا إلى اللون الأحمر، من شدة ذهولي قذفته إلى الأرض بعيدا عني، غضب أبي من تصرفي هذا وسألني ماذا فعلت، ما هذه التصرفات الصبيانية، أجبته: أنظر أبي، عيناه حمراوان، قالت أمي وهي ممسكة به، لقد جننت، عيناه كما هي سوداوتين، صوبت نظري من جديد نحو سعيد، وبدأت أحدث نفسي، هل هذا معقول، أم أنها مجرد تخيلات وأوهام، نهضت من مكاني وصعدت إلى غرفتي، وبعدها نمت بعد مشاهدة أحد الأفلام.



في اليوم الموالي، استيقظت على الساعة 09:00 صباحا، توجهت صوب الدرج وإذ بي أسمع أصواتا غريبة، عبارة عن ضحكات، تابعت مصدر الصوت والذي كان قادما من إحدى الغرف، فتحت الباب، ورأيت الطفل سعيد يضحك بشكل هستيري وعيناه تنظران إلى التلفاز، الغريب في الأمر أن التلفاز لم يكن مشتغلا، كما أنه كان جالسا على أحد المقاعد والذي كان عاليا جدا على طفل في سنه، أبعدت هذه الشكوك من مخيلتي وقلت ربما أمي أجلسته هنا، بعدها جلست قربه وخمدت ضحكاته، بدأت في مداعبته، إلا أنه بدا بدون حراك وبملامح جامدة وكأنه دمية، قلت في نفسي، لقد أصبح الآن من العائلة ويجب علي تقبله، هذا هو الخيار الوحيد



بعد برهة، دخلت أمي الغرفة وقالت لي: ماذا يحدث لك؟ أأصبت بالجنون؟، مع من تتكلم؟ أجبتها أنا بخير، كنت أمازح أخي سعيد، بالمناسبة ماذا كان يفعل هنا وحيدا؟

استغربت أمي وقالت: سعيد لا يزال نائما في غرفتي، التفت إلى جانبي حيت كان يجلس، وتفاجأت بأنه اختفى، شعرت برعشة  تسري في جسمي، وتملكني خوف شديد، بعدها صرخت هذا مستحيل، لقد كان هنا وكنت ألاعبه، قالت أمي: أنت تتوهم، ربما صرت تحبه وبدأت تتخيله، بعدها غادرت صوب المطبخ، أثناء مرور كل هذه الأحداث، بدأت أتيقن أن سعيد طفل غريب الأطوار وليس بشخص طبيعي.



صعدت بعدها مباشرة إلى غرفتي، وبدأت أراجع دروسي لأن فترة الامتحانات على الأبواب، نادتني أمي لتناول وجبة الغداء، نزلت لأجد عائلتي مجتمعة حول المائدة، جلست في مقعدي وعيناي لا تفارق سعيد، لاحظ أبي ذلك وسألني، ماذا يحدث لك يا ولدي إبراهيم. أجبته: لا شيء أبي

بعد ان انتهينا من الأكل، صعدت مجددا إلى غرفتي وفتحت النافذة، وإذ بي أشاهد سعيد يلعب مع أختي الصغيرة في حديقة المنزل، لم يرق لي الأمر كثيرا، نزلت مسرعا إلى الأسفل بسرعة خاطفة ووجدت أختي داخل المنزل، سألتها من أحضرك إلى هنا؟ أجابت: سعيد، نظرت إليه وإذ به يرمقني بنظرات حادة.



في أحد الأيام، استيقظت باكرا، وتجهزت للذهاب إلى الجامعة، كل عائلتي حول المائدة لتناول وجبة الإفطار، سألت عن سعيد لأنه كان الغائب الوحيد، أجابتني أمي بأنه لا يزال نائما، بعد انتهائي من الوجبة، صعدت لغرفتي لآخذ محفظتي، فتحت الباب، واندهشت لما رأيت، وجدت سعيد ممدد فوق سريري، اقتربت منه بخوف رهيب، وقال لي بصوت يبدو خشنا كأنه صوت رجل بالغ، يا إبراهيم موت أو حياة، أمسكت به بشدة، وسألته: وماذا يعني هذا؟ رددها ثلاث مرات وبعدها اختار لغة الصمت.



غادرت المنزل صوب الجامعة، وعدت مساءا على الساعة الخامسة، نمت قليلا لكي أستريح من التعب، بعد فترة أحسست بأن شخصا قريب مني، فتحت عيناي، فوجدت سعيد  يضحك بشكل جنوني وفي يده اليمنى سكين، أصبت بخوف شديد، وبدأت أصرخ بشكل مرتفع لعل أفراد عائلتي تسمعني، لكن بدون جدوى، بدأ في الاقتراب مني أكثر فأكثر، بعدها قال لي: لا تتعب نفسك، لا أحد يمكنه سماعك، حمل السكين عاليا وتقدم نحوي، في هذه اللحظات، نهضت مفزوعا من نومي، وتيقنت أني كنت أشاهد كابوسا، تعوذت بالله من الشيطان الرجيم، وتوجهت صوب المطبخ قصد شرب كوب ماء، دخلت فوجدت سعيد مجددا، أمسكت به بقوة وسألته: ماذا تقصد بحياة أو موت؟ دخلت أمي من خلفي على حين غرة، وقالت: وهي غاضبة: دع الولد وشأنه، هل جننت؟ ماذا أصابك؟

أجبتها بأني كنت ألاعبه فقط، لكن لم تصدقني بتاتا، صعدت لغرفتي، وراودتني فكرة أن أنادي على أحد أصدقائي والذي يدعى كمال كي أشاركه قصتي مع هذا الولد الغريب، وخاصة أنه كان من أصدقائي المفضلين، فطالما تمتع بذكاء خارق.

في المساء الموالي حضر إلى بيتي، حكيت له كل التفاصيل برمتها، بعد انتهائي من السرد، خاطبني، هل يمكنك إحضار الصبي، نزلت إلى الدور الأسفل وأخذت سعيد إلى غرفتي ووضعته بين يدي صديقي، أمسك به وسأله: ماذا تريد من إبراهيم وعائلته؟ أطبق سعيد الصمت ولم يرد، أعاد صديقي نفس السؤال مجددا، لكن هذه المرة اختفى بشكل غريب قبل أن ينهي كلامه، لا أستطيع وصف ملامح وجه صديقي بعد الذي حدث، اعتلت وجهه علامات الدهشة والاستغراب، فجأة سمعنا صراخ أمي في الأسفل، نزلنا مسرعين ووجدنا سعيد ملقى على الأرض، سألت أمي ماذا حدث ؟ أجابت أمي غاضبة: أنت لا تعلم، هذا صديقك الذي ألقى به من الدرج، التفتت أمي إلى صديقي كمال مخاطبة إياه غادر بيتي حالا ولا تعد إليه مجددا، قاطعتها قائلا يا أمي ليس صديقي، لقد تعثر لوحده، صراحة نحن لا نعرف ما الذي وقع، قال كمال نافيا التهمة التي نسبت إليه: يا عمتي والله لست الفاعل، غادر صديقي البيت وتحسرت على ما حدث، خاصة وأن صديقي لا دخل له في سقوطه من الدرج، اتصلت أمي بالإسعاف، وتوجهوا صوب المستشفى فيما فضلت البقاء في المنزل، بعد دقائق حضر والدي من العمل، سأل عن أمي وأخبرته بما حدث، بدون مقدمات صعد لغرفته، غير ملابسه، وقرر الالتحاق بأمي في المستشفى، في هذه الأثناء، طلبت مرافقته مع أختي الصغيرة، عند وصولنا جلسنا في قاعة الانتظار، أمي وأبي في قلق شديد، بعد مرور زهاء ساعتين، جاء الطبيب ليخبرنا عن حال سعيد، قبل وصوله إلينا، لمحت في وجهه علامات الارتباك والدهشة، بادره أبي بالسؤال في لهفة لمعرفة حال سعيد، كيف حال ابني يا دكتور، أجاب: بخير، لا شيء يدعو للقلق، سيتعافى عما قريب، يمكنكم الدخول للاطمئنان عليه، توجهت عائلتي إلى الغرفة التي يرقد فيها، بينما أنا فضلت التريث قليلا من أجل الحديث مع الطبيب، استوقفته وسألته: أيها الطبيب، هل هناك ما يدعو للقلق في حالة سعيد، أعرف أنه طفل غريب الأطوار، ارتبك الطبيب مجددا وقال: يمكنك الانتظار في القاعة، سألته من فضلك ما القصة مع سعيد، إنه طفل تبناه والدي، ودائما ما كنت مرعوبا منه، وتصرفاته تصيبني بالجنون، أجابني الدكتور بخوف رهيب، هذا الطفل ليس من صنف البشر، يجب على عائلتك التخلص منه بأية وسيلة، وإلا لن تكون أموركم على خير، بعدها سألته في حيرة، وكيف عرفت كل هذا يا دكتور؟ قال: عندما أجريت له الفحوصات الطبية تبين لي أنه ليس من صنف البشر، نظرت إليه فأرعبني، بعدها قال لي  بصوت خشن، بدا صوت رجل بالغ، إذا أخبرت أيا كان عني فلن يسرك بعدها حال، استغربت بشدة وهالني الأمر وتملكني الخوف الشديد، كانت معي أيضا ممرضة تسهر على حاله، استغربت أيضا لصوته لحداثة سنه، بعد ذلك بدأ بالتحدث بكلمات غير مفهومة كأنها طلاسيم، قاطع كلامنا رنين هاتف الطبيب الذي طلب منه الحضور لمعاينة حالة استعجالية لمريض جديد، هممنا بالخروج، لكن استوقفنا ذوي صوت رهيب، استدرنا، فوجدنا جميع دواليب الغرفة المجاورة مرمية على الأرض، والأوراق مبعثرة في كل مكان، كما أن أحد الكراسي بدأ في التحرك إلى ركن الغرفة، سرت القشعريرة في جسمي، لم أستطع تمالك نفسي وأطلقت ساقي للريح، عند إحدى الزوايا ظهر لي شخص ذو بشرة سوداء، بدأ في ترديد كلامات: حياة أو موت، أكملت طريقي إلى أن وصلت إلى غرفة سعيد، في هذه اللحظة بالذات استرجعت أنفاسي، آنيا سألت أمي عن حال سعيد، قالت: الحمد لله ولكن لا أريد أن أرى صديقك مجددا في منزلي، بدأت التفكير في الأحداث التي وقعت مع صديقي كمال،


نظرت إلى سعيد، كان يرمقني بنظرات غريبة.



بعد لحظات، استأذن أبي للذهاب قصد إتمام إجراءات الخروج من المستشفى، ومعه أختي الصغيرة، بينما غادرت أمي لإجراء مكالمة هاتفية، فيما لزمت الغرفة، كان الصمت سيد المكان، استدرت نحو سعيد وقلت: كيف سأتمكن من إخراجك من منزلنا، أجابني بنفس الصوت الخشن سابقا، لن تستطيع ذلك، وبعدها بدأ في الصراخ، دخلت الممرضة لتفحصه، وبدأ يرمقني بنظرات تملأها نشوة الانتصار، حينها أدركت أن والدي لن يتفهموا الموقف ولن يلاحظوا غرابة أطوار هذا الصبي، خاصة وأن الفرحة قد أعمتهم.



عدنا للبيت بعد إنهاء جميع الإجراءات الإدارية الخاصة بالمستشفى، اتصلت مجددا بصديقي كمال واعتذرت له نيابة عن أمي، بعدها تمددت فوق سريري واستسلمت للنوم.



في اليوم الموالي، استيقظت باكرا وتوجهت لغرفة والدي كي أوقظهما، لكن كانت الطامة الكبرى، وجدت سعيد على مقربة من سرير أبي وفي يده سكين، تذكرت حلم الليلة الماضية، صرخت بأعلى صوتي حتى أفزعت والدي، أما الصغير فقد اختفى عن الأنظار، رمقني والدي وخاطبني غاضبا: فيما الصراخ لقد أرعبتنا، أيقنت إن قمت بإخباره فلن يصدقني أحد، لهذا أخبرته  بأني تعثرت وارتطم رأسي مع باب الغرفة واعتذرت لهما.



بعد تناولي وجبة الإفطار، توجهت إلى الجامعة، التقيت بصديقي كمال، أخبرته مجددا بكل الأحداث التي وقعت لي مع سعيد، بعد انتهائي من سرد الوقائع، أخبرني كمال بأن لديه الحل لمشكلتي، سررت كثيرا لسماع هذا الخبر، أجبته بلهفة وكيف ذلك؟ قال: في المساء سأنتظرك في منزلي لأشرح لك كل شيء، قبلت بهذا، وعدت للمنزل وارتميت فوق السرير كي أستريح،
في حدود الساعة السادسة مساءا، توجهت صوب منزل صديقي، رحب بي وقدم لي كأس شاي، بعدها دخلنا مباشرة في صلب الموضوع.



أخبرني صديقي بأنه يعرف أحد الشيوخ، له دراية بالمس والجن ويملك حلولا كثيرة لمثل هذه المشاكل، في البداية ترددت، لأنني لا أحب الخوض في مثل هذه المواضيع، لكن بعدما أكد لي بضرورة القيام بهذه الخطوة وهي الحل الوحيد وافقت على ذلك، لكن اشترطت عليه أن يتولى الأمر.


بحلول الساعة التاسعة ليلا، غادرنا المنزل لملاقاة الشيخ، حكى له صديقي كل القصة بحذافيرها ولم يستثني أي شيء، بعدها غادرنا في حال سبيلنا.



في اليوم الموالي، جمعت أفراد أسرتي في إحدى الغرف، ناديت على أمي التي كانت منهمكة في أشغال البيت، حضرت في الحين، بعد جلوسها مباشرة، قمت بتشغيل سورة البقرة بصوت عال جدا من حاسوبي الشخصي، بعد لحظات رأينا سعيد يهتز ويبكي بشكل هستيري، كما بدأ يتحرك بسرعة فائقة في جميع أرجاء الغرفة، بعدها اختفى تماما، لم يستطع والدي استيعاب ما حدث، كما أن آثار الصدمة بدت على محياهما.



بعدما تجلت الحقيقة، اتصلت أمي بصديقي واعتذرت له عما بدر منها، ومنذ ذلك الحين، لم أعد أرى سعيد، ولم أعد أسمع عنه أي شيء.

           


أرجو أن تنال القصة إعجابكم


الاستماع للقصة



           


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق