من غرائب العالم - نصب جورجيا الغامض

يعد نصب جورجيا الحجري أحد أهم المعالم الحديثة للولايات المتحدة الأمريكية، ويقع تحديدا في منطقة ألبرت كانتري الواقعة في الشمال الشرقي لولاية جورجيا، وهو عبارة عن ألواح غامضة متكونة من مجموعة من الأحجار الضخمة على شكل أعمدة من الجرانيت ذو النوعية الممتازة، ويطلق عليه بعض الباحثين أعمدة ستونجهنج stone henge القديمة المتواجدة في بريطانيا، وقد أثارت هذه الأعمدة الكثير من الجدل والغموض، خاصة في غياب إجابات شافية عن هوية من بناه والسبب في بنائه، وعن سر التوجيهات الواردة فيه، وفحوى الرسائل المنقوشة عليه بعدة لغات، لهذا اعتبره الكثيرون أكتر الصروح غموضا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم أجمع.

انطلقت أشغال بنائه في يونيو من سنة 1979 من طرف شركة البرتون المتخصصة في مجال الجرانيت،  وانتهت في شهر مارس من سنة 1980، بناء على طلب شخص مجهول الهوية يدعى كريستيان R.C Christine، وقد نقشت الأحرف الأولى من اسمه على أحجار النصب الغامض، حيث اتجه هذا الشخص إلى شركة البرتون وقد إدعى أنه يمثل جماعة صغيرة من الأمريكيين المخلصين، والذين يخططون لبناء معلمة ضخمة ومعقدة، وغير اعتيادية في الوقت ذاته، وقد وقع اختياره على شركة البرتون لجودة خدماتها، حيث تنتج أجود وأفخم أنواع الجرانيت على الصعيد العالمي.

وقد ورد على لسان مدير الشركة أن المدعو كريستيان طلب أن تقطع وتصقل أضخم وأجود أنواع الجرانيت بحيث توضع بشكل دقيق كي تصبح أداة فلكية ضخمة، تشير إلى التقويم الفلكي والساعة، كما أوضح أن النصب يحتاج إلى نقوشات تتضمن مجموعة من التوجيهات والرسائل مكتوبة بتمان لغات اختيرت من بين اللغات الرئيسية في العالم.

كما طلب أيضا المدعو كريستيان من الشركة العمل جيدا على تحمل البناء لأشد الأحداث الكارتية، وأن تجعله مقاوما لها، كي تستطيع بقايا البشرية على حد تفكيره من استخدام التوصيات المنقوشة لإعادة تأسيس حضارة أفضل وأرقى.

يتكون النصب من 5 أعمدة على شكل ألواح ضخمة، أحدها متمركز في الوسط، أما العمود السادس فقد وضع على هيئة سقف.

يبلغ طول كل عمود حوالي 4.5 مترا تقريبا، ويبلغ وزنه قرابة 20 طنا، بالنسبة لللوح المتمركز في الوسط ، يحيط به من جهاته الأربعة باقية الألواح المستطيلة الشكل موزعة على شكل حرف X ومنفصلة عن بعضها البعض، أما السقف العلوي فيزن 11.3 طنا، منقوشة عليه رسالة بلغات قديمة وميتة وهي البابلية والمسمارية (إحدى اللغات المنتشرة بجنوب غرب آسيا)، والهيلوغريفية والسنسكريتية (لغة منتشرة في بعض المناطق الهندية)، والاغريقية.

أما الأعمدة التي ترفع السقف، فمنقوش على أوجهها الأمامية توجيهات مترجمة بلغات حية رئيسية، وقد تم ترتيبها وفق اتجاه عقارب الساعة وهي الإنجليزية والإسبانية واللغة السواحيلية (إحدى اللغات المنتشرة في القارة الإفريقية)، والهندية والعبرية والعربية والصينية والروسية.

تتواجد عدة ثقوب في الأحجار تدل على حركية النجوم والشمس، ومن بينها ثقب يتواجد في قلب اللوح المركزي، يمكن من خلاله رؤية النجم القطبي الذي يشير إلى الشمال.

كل هذه المتطلبات التي ألزمت الشركة باحترامها، تدل على أن المدعو كريستيان كان شديد الولوع بمجال الفلك وحركية النجوم، أو ربما كان منتميا إلى إحدى الطوائف الدينية التي تقدس حركية الأجرام السماوية كجزء من طقوسها.

على مقربة من نصب جورجيا الحجري يتواجد لوح آخر منعزل يضم بعض المعلومات عنه، لكن ما يلفت الانتباه، هو العبارة المكتوبة عليه باللغة الانجليزية، والتي تعني "لتكن حجارة هذا النصب السبيل إلى عصر الرشد"، وهي عنوان لكتاب ألفه كاتب وثوري إنجليزييدعى توماس باين Thomas Paine، والذي عرف بانتمائه إلى الماسونية التي تعادي الأديان وتدعوا إلى بعض الأفكار الغربية.

أما فيما يخص التوصيات والتوجيهات الغامضة المنقوشة على الألواح، والتي دعت إليها الحركة المتخفية وراء الإسم المستعار كريستيان كما يعتقد بعض الباحثون، فيما يرى آخرون أنها مجرد رسائل للحفاظ على البيئة والعيش بسلام مع الطبيعة، في ظل الثلوت المهول الناجم عن النشاطات الصناعية للإنسان، وفيما يلي نستعرض هذه الوصايا البارزة التي يمكن قراءتها بوضوح باللغة العربية على إحدى الألواح الحجرية.

1- أبقوا عدد الجنس البشري أقل من 500 مليون، في توازن دائم مع الطبيعة.

2- وجهوا التناسل بحكمة مع تحسين اللياقة والتنوع

3- وحدوا الجنس البشري بلغة جديدة حيوية

4- تحكموا بالعاطفة - بالعقيدة - بالتقاليد وبجميع الأشياء بمنطق معتدل

5- احموا الناس والدول بواسطة قوانين عادلة ومحاكم منصفة

6- دعوا الدول تحكم داخليا مع تصفية المنازعات الخارجية في محاكم دولية

7- تجنبوا القوانين التافهة والمواطنين عديمي الفائدة

8- اعدلوا بين الحقوق الشخصية والواجبات الإجتماعية

9- أجلوا الحقيقة - الجمال - الحب في التماس الانسجام مع اللانهاية

10- ندعوا لانعدام السرطان على الأرض - أفسحوا مجالا للطبيعة - أفسحوا مجالا للطبيعة

كان من الممكن أن تكون هذه الوصايا مجرد عبارات تحث على الحفاظ على الطبيعة والعيش بسلام لولا العبارة الأولى، التي تطالب بجعل عدد سكان العالم  محصورا في 500 مليون شخص، مع العلم أن عدد السكان قد وصل إلى 4500 مليون في الفترة التي تم فيها بناء النصب، وهو ما يطرح سؤالا صعبا حول كيفية تحقيق هذه الوصية، فلا يسبعد الباحثون أن الحركة المزعومة التي تقف وراء بناء هذا الصرح، قد تقرر يوما ما، مئات ملايين البشر للحفاظ على أعداد قليلة يمثلون أتباعها وبعض خدامها المخلصين، فيما يرى آخرون أن الوصية تحاول فقط التحذير من الزيادة الجنونية في عدد السكان، ويستدلون على ذلك بالوصية الموالية لها، التي تحث على ضرورة التحكم بالنسل والتعامل بعقلية مع الزيادة في أعداد السكان.

مضى على بناء النصب أزيد من 30 سنة، وخلال هذه الفترة تعددت التأويلات والتفسيرات لما يمكن أن يكون السبب الرئيسي في بنائه، فهو يمكن أن يكون أداة فلكية لمراقبة النجوم وتتبع حركيتها، كما يمكن أن يكون تحفة فنية، حملت بعض الغموض لزيادة الاهتمام بها، كما يمكن إعتبارها أداة للترويج لقضايا بيئية لمحاربة كافة أشكال الثلوت، الذي يظن البعض أنه سيكون السبب في هلاك الجنس البشري، ورغم اختلاف التفسيرات التي تحيط بهذا النصب، يبقى من أفضل الصروح التي تم بناؤها في العصر الحديث، ومن أكثرها شهرة وغرابة.

أرجو أن تنال القصة إعجابكم

الاستماع للقصة